فصل: (سورة الدخان: الآيات 32- 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



تبكى عليك نجوم اللّيل والقمرا

وقالت الخارجية:
أيا شجر الخابور مالك مورقا ** كأنّك لم تجزع على ابن طريف

وذلك على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة في وجوب الجزع والبكاء عليه، وكذلك ما يروى عن ابن عباس رضي اللّه عنهما: من بكاء مصلى المؤمن، وآثاره في الأرض، ومصاعد عمله، ومهابط رزقه في السماء: تمثيل، ونفى ذلك عنهم في قوله تعالى: {فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ} فيه تهكم بهم وبحالهم المنافية لحال من يعظم فقده: فيقال فيه: بكت عليه السماء والأرض. وعن الحسن: فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون، بل كانوا بهلاكهم مسرورين، يعنى: فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض {وَما كانُوا مُنْظَرِينَ} لما جاء وقت هلاكهم لم ينظروا إلى وقت آخر، ولم يمهلوا إلى الآخرة، بل عجل لهم في الدنيا.

.[سورة الدخان: الآيات 30- 31]:

{ولقد نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)}.
{مِنْ فِرْعَوْنَ} بدل من {العذاب المهين}، كأنه في نفسه كان عذابا مهينا، لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم. ويجوز أن يكون المعنى: من العذاب المهين واقعا من جهة فرعون. وقرئ {من عذاب المهين}. ووجهه أن يكون تقدير قوله: {مِنْ فِرْعَوْنَ}: من عذاب فرعون، حتى يكون المهين هو فرعون. وفي قراءة ابن عباس: {من فرعون}، لما وصف عذاب فرعون بالشدة والفظاعة قال: {من فرعون}، على معنى: هل تعرفونه من هو في عتوّه وشيطنته، ثم عرف حاله في ذلك بقوله: {إِنَّهُ كانَ عالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ} أي كبيرا رفيع الطبقة، ومن بينهم فائقا لهم، بليغا في إسرافه.
أو عاليا متكبرا، كقوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ}، {ومِنَ الْمُسْرِفِينَ} خبر ثان، كأنه قيل: إنه كان متكبرا مسرفا.

.[سورة الدخان: الآيات 32- 34]:

{ولقد اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (32) وآتيناهم مِنَ الآيات ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (33) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقولونَ (34)}.
الضمير في {اخْتَرْناهُمْ} لبنى إسرائيل. و{عَلى عِلْمٍ} في موضع الحال، أي: عالمين بمكان الخيرة، وبأنهم أحقاء بأن يختاروا. ويجوز أن يكون المعنى: مع علم منا بأنهم يزيغون ويفرط منهم الفرطات في بعض الأحوال {عَلَى الْعالَمِينَ} على عالمي زمانهم. وقيل: على الناس جميعا لكثرة الأنبياء منهم مِنَ الآيات من نحو فلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المنّ والسلوى، وغير ذلك من الآيات العظام التي لم يظهر اللّه في غيرهم مثلها {بَلؤُا مُبِينٌ} نعمة ظاهرة، لأن اللّه تعالى يبلو بالنعمة كما يبلو بالمصيبة. أواختبار ظاهر لننظر كيف تعملون، كقوله تعالى: {وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}.

.[سورة الدخان: الآيات 34- 36]:

{إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقولونَ (34) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الأولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35) فَأْتُوا بِآبائنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (36)}.
{هؤُلاءِ} إشارة إلى كفار قريش فإن قلت: كان الكلام واقعا في الحياة الثانية لا في الموت، فهلا قيل: إن هي إلا حياتنا الأولى وما نحن بمنشرين؟ كما قيل: إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين؟ وما معنى قوله: {إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الأولى}؟ وما معنى ذكر الأولى؟
كأنهم وعدوا موتة أخرى حتى نفوها وجحدوها وأثبتوا الأولى؟ قلت: معناه- واللّه الموفق للصواب-: أنه قيل لهم: إنكم تموتون موتة تتعقبها حياة، كما تقدّمتكم موتة قد تعقبتها حياة، وذلك قوله عزّ وجل: {وَكُنْتُمْ أَمْواتًا فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} فقالوا: {إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الأولى} يريدون: ما الموتة التي من شأنها أن يتعقبها حياة إلا الموتة الأولى دون الموتة الثانية، وما هذه الصفة التي تصفون بها الموتة من تعقب الحياة لها إلا للموتة الأولى خاصة، فلا فرق إذا بين هذا وبين قوله: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا} في المعنى. يقال: أنشر اللّه الموتى ونشرهم: إذا بعثهم {فَأْتُوا بِآبائنا} خطاب للذين كانوا يعدونهم النشور: من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، أي: إن صدقتم فيما تقولون فعجلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بسؤالكم ربكم ذلك حتى يكون دليلا على أنّ ما تعدونه من قيام الساعة وبعث الموتى حق، وقيل كانوا يطلبون إليهم أن يدعوا اللّه وينشر لهم قصي بن كلاب ليشأو روه، فإنه كان كبيرهم ومشاورهم في النوازل ومعاظم الشئون.

.[سورة الدخان: آية 37]:

{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (37)}.
هو تبع الحميري: كان مؤمنا وقومه كافرين، ولذلك ذمّ اللّه قومه ولم يذمّه، وهو الذي سار بالجيوش وحير الحيرة وبني سمرقند. وقيل: هدمها وكان إذا كتب قال: بسم اللّه الذي ملك برّا وبحرا. وعنى النبي صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم» وعنه عليه الصلاة والسلام «ما أدرى أكان تبع نبيا أو غير نبي» وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: كان نبيا.
وقيل: نظر إلى قبرين بناحية حمير قال: هذا قبر رضوى وقبر حبى بنت تبع لا تشركان باللّه شيئا. وقيل: هو الذي كسا البيت. وقيل لملوك اليمن: التبابعة، لأنهم يتبعون، كما قيل: الأقيال، لأنهم يتقيلون. وسمى الظل تبعا لأنه يتبع الشمس. فإن قلت: ما معنى قوله تعالى: {أَهُمْ خَيْرٌ} ولا خير في الفريقين؟ قلت: معناه أهم خير في القوّة والمنعة، كقوله تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أولئِكُمْ} بعد ذكر ال فرعون. وفي تفسير ابن عباس رضي اللّه عنهما: أهم أشدّ أم قوم تبع.

.[سورة الدخان: الآيات 38- 42]:

{وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (38) ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ ولكن أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (39) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40) يَوْمَ لا يُغْنِي مولى عَنْ مولى شَيْئًا ولا هُمْ يُنْصَرُونَ (41) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هو العَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)}.
{وَما بَيْنَهُما} وما بين الجنسين. وقرأ عبيد بن عمير: {وما بينهن} وقرأ: {ميقاتهم} بالنصب على أنه اسم إن، و{يوم الفصل}: خبرها، أي: إنّ ميعاد حسابهم وجزائهم في يوم الفصل {لا يُغْنِي مولى} أي مولى كان من قرابة أو غيرها {عَنْ مولى} عن أي مولى كان {شَيْئًا} من إغناء، أي: قليلا منه {و لا هُمْ يُنْصَرُونَ} الضمير للموالي، لأنهم في المعنى كثير، لتناول اللفظ على الإبهام والشيئاع كل مولى {إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ} في محل الرفع على البدل من الواو في {يُنْصَرُونَ} أي: لا يمنع من العذاب إلا من رحمه اللّه. ويجوز أن ينتصب على الاستثناء {إِنَّهُ هو العَزِيزُ} لا ينصر منه من عصاه {الرَّحِيمُ} لمن أطاعه.

.[سورة الدخان: الآيات 43- 47]:

{إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعامُ الأثيم (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47)}.
قرئ: {إنّ شجرت الزقوم}، بكسر الشين، وفيها ثلاث لغات: شجرة، بفتح الشين وكسرها وشيرة، بالياء. وروى أنه لما نزل {أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} قال ابن الزبعرى: إنّ أهل اليمن يدعون أكل الزبد والتمر: التزقم، فدعا أبو جهل بتمر وزبد فقال: تزقموا فإنّ هذا هو الذي يخوّفكم به محمد، فنزل {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الأثيم} وهو الفاجر الكثير الاثام. وعن أبي الدرداء أنه كان يقرئ رجلا فكان يقول طعام اليثيم، فقال: قل طعام الفاجر يا هذا.
وبهذا يستدل على أنّ إبدال كلمة مكان كلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها. ومنه أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسية على شريطة، وهي: أن يؤدى القارئ المعاني على كمالها من غير أن يخرم منها شيئا. قالوا: وهذه الشربطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة، لأن في كلام العرب خصوصا في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والأغراض ما لا يستقل بإذائه لسان من فارسية وغيرها، وما كان أبو حنيفة رحمه اللّه يحسن الفارسية، فلم يكن ذلك منه عن تحقق وتبصر وروى على بن الجعد عن أبى يوسف عن أبى حنيفة مثل قول صاحبيه في إنكار القراءة بالفارسية {كَالْمُهْلِ} قرئ بضم الميم وفتحها، وهو دردي الزيت. ويدل عليه قوله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ} مع قوله: {فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ} وقيل: هو ذائب الفضة والنحاس، والكاف رفع خبر بعد خبر، وكذلك {يَغْلِي} وقرئ بالتاء للشجرة، وبالياء للطعام. و{الْحَمِيمِ} الماء الحار الذي انتهى غليانه: يقال للزبانية {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} فقودوه بعنف وغلظة، وهو أن يؤخذ بتلبيب الرجل فيجر إلى حبس أوقتل. ومنه: العتلّ وهو الغليظ الجافي. وقرئ بكسر التاء وضمها {إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ} إلى وسطها ومعظمها. فإن قلت: هلا قيل: صبوا فوق رأسه من الحميم، كقوله تعالى: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ} لأن الحميم هو المصبوب لا عذابه؟ قلت: إذا صب عليه الحميم فقد صب عليه عذابه وشدّته، إلا أن صب العذاب طريقة الاستعارة، كقوله:
صبّت عليه صروف الدّهر من صبب

وكقوله تعالى: {أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْرًا} فذكر العذاب معلقا به الصب، مستعارا له، ليكون أهول وأهيب يقال: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} على سبيل الهزؤ والتهكم بمن كان يتعزز ويتكرم على قومه.
وروى أنّ أبا جهل قال لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ما بين جبليها أعز ولا أكرم منى، فواللّه ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بى شيئا. وقرئ: {أنك}، بمعنى: لأنك. وعن الحسن ابن على رضي اللّه عنهما أنه قرأ به على المنبر إِنَّ هذا العذاب. أو إن هذا الأمر هو {ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} أي تشكون. أو تتمارون وتتلاجون.

.[سورة الدخان: الآيات 51- 57]:

{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمنين (55) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأولى ووقاهم عَذابَ الْجَحِيمِ (56) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هو الفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)}.
قرئ: {في مقام}، بالفتح: وهو موضع القيام، والمراد المكان، وهو من الخاص الذي وقع مستعملا في معنى العموم. وبالضم: وهو موضع الإقامة. وأَمِينٍ من قولك: أمن الرجل أمانة فهو أمين. وهو ضد الخائن، فوصف به المكان استعارة، لأن المكان المخيف كأنما يخون صاحبه بما يلقى فيه من المكاره. قيل: السندس: ما رق من الديباج. والإستبرق: ما غلظ منه وهو تعريب استبر. فإن قلت: كيف ساغ أن يقع في القرآن العربي المبين لفظ أعجمي؟ قلت: إذا عرب خرج من أن يكون عجميا، لأن معنى التعريب أن يجعل عربيا بالتصرف فيه، وتغييره عن منهاجه، وإجرائه على أوجه الإعراب {كَذلِكَ} الكاف مرفوعة على: الأمر كذلك. أو منصوب على: مثل ذلك أثبناهم {وَزَوَّجْناهُمْ} وقرأ عكرمة: {بحور عين}، على الإضافة: والمعنى: بالحور من العين، لأن العين إما أن تكون حورا أو غير حور، فهؤلاء من الحور العين لا من شهلهن مثلا.
وفي قراءة عبد اللّه: {بعيس عين}: والعيساء: البيضاء تعلوها حمرة وقرأ عبيد بن عمير: {لا يذاقون فيها الموت} وقرأ عبد اللّه: {لا يذوقون فيها طعم الموت}. فإن قلت: كيف استثنيت الموتة الأولى- المذوقة قبل دخو ل الجنة- من الموت المنفي ذوقه فيها؟ قلت: أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة، فوضع قوله: {إِلَّا الْمَوْتَةَ الأولى} موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها.
وقرئ {ووقاهم} بالتشديد {فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ} عطاء من ربك وثوابا، يعنى: كل ما أعطى المتقين من نعيم الجنة والنجاة من النار. وقرئ: {فضل}، أي ذلك فضل.

.[سورة الدخان: الآيات 58- 59]:

{فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)}.
{فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ} فذلكة للسورة. ومعناها: ذكرهم بالكتاب المبين {فَإِنَّما يَسَّرْناهُ} أي: سهلناه، حيث أنزلناه عربيا بلسانك بلغتك إرادة أن يفهمه قومك فيتذكروا {فَارْتَقِبْ} فانتظر ما يحل بهم {إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} ما يحل بك متربصون الدوائر.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك» وعنه عليه السلام: «من قرأ حم التي يذكر فيها الدخان في ليلة جمعة أصبح مغفورا له». اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله عز وجل: {حم والكتابِ المُبينِ}.
قد تقدم بيانه المؤمن والزخرف، وجواب القسم {إِنّا أنزَلْناه}، والهاء كناية عن الكتاب، وهو القرآن {في ليلةٍ مباركة} وفيها قولان:
أحدهما: أنها ليلة القدر، وهو قول الأكثرين، وروى عكرمة عن ابن عباس قال: أُنزلَ القرآن من عند الرحمن ليلة القدر جُملةً واحدةً، فوُضع في السماء الدنيا، ثم أُنزِلَ نجومًا.
وقال مقاتل: نزل القرآن كلّه في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إِلى السماء الدنيا.
والثاني: أنها ليلة النصف من شعبان، قاله عكرمة.
قوله تعالى: {إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ} أي: مخوِّفين عقابنا.
{فيها} أي في تلك الليلة {يُفْرَقُ كلُّ} أي: يُفْصَل.
وقرأ أبو المتوكل، وأبونهيك، ومعاذ القارىء: {يْفِرقُ} بفتح الياء وكسر الراء {كُلَّ} بنصب اللام.
{أمرٍ حكيمٍ} أي: مُحْكَم.
قال ابن عباس: يُكتَب من أُمِّ الكتاب في ليلة القَدْر ما هوكائن في السنة من الخير والشرِّ والأرزاق والآجال، حتى الحاج، وإِنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى.
وعلى ماروي عن عكرمة أن ذلك في ليلة النصف من شعبان، والرواية عنه بذلك مضطربة قد خو لف الر أو ي لها، فروي عن عكرمة أنه قال في ليلة القَدْر، وعلى هذا المفسرون.
قوله تعالى: {أمرًا من عندنا} قال الأخفش: {أمرًا} و{رحمةً} منصوبان على الحال؛ المعنى: إِنّا أنزِلْناه امرِين أمرًا وراحمين رحمة.
قال الزجاج: ويجوز أن يكون منصوبًا بـ: {يُفْرَقُ} بمنزلة يُفْرَقُ فَرْقًا، لأن {أمرًا} بمعنى {فَرْقًا}.
قال الفراء: ويجوز أن تُنصب الرحمة بوقوع {مرسِلِين} عليها، فتكون الرحمة هي النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال مقاتل: {مرسِلِين} بمعنى منزِلِين هذا القرآن، أنزْلناه رحمةً لِمَن امن به.
وقال غيره: {أمرًا من عندنا} أي: إِنا نأمر بنَسخ ما يُنسخ من اللوح {إِنّا كنّا مُرْسِلِين} الأنبياء، {رحمةً} منّا بخَلْقنا {ربِّ السموات} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {ربُّ} بالرفع.
وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {ربِّ} بكسر الباء.
وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: {بَلْ هُمْ} يعني الكفار {في شكٍّ} مما جئناهم به {يَلعبون} يهزؤون به.
{فارتقِبْ} أي: فانتظر {يومَ تأتي السماءُ بدخانٍ مبينٍ} اختلفوا في هذا الدخان ووقته على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه دخان يجيء قبل قيام الساعة، فروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الدُّخان يجيء فيأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزّكام».
وروى عبد الله بن أبي مليكة قال: غدوتُ على ابن عباس ذاتَ يوم، فقال: ما نمتُ الليلة حتى أصبحتُ، قلت: لم، قال: طلع الكوكب ذوالذَّنَب، فخشيتُ أن يطرق الدخان، وهذا المعنى مروي عن علي، وابن عمر، وأبي هريرة، والحسن.